التحليل النفسى
يعتبر "فرويد" الذى ولد فى مورافيا فى السادس من مايو 1856 م ومات فى لندن فى الثالث والعشرين من سبتمبر 1929 م أكثر من مؤسس لمدرسةأحدثت انقلابا فى علم النفس , وفى نظرة الناس الى الطبيعة البشرية بل انه صاحب رسالة جعلت من مدرسة التحليل النفسى نظرية ونظاما سيكولوجيا لم يقف اثره عند علم النفس وحده , بل أحدثت انقلابا فى ساءر العلوم الانسانية .
وقد ظهر اول بيان عملى عن تطور التحليل النفسى وموضوعه فى المحاضرات الخمسة التى عرضها "فرويد" لاقامة نظرية جديدة فى الهيستيريا تقوم على (مبدأ الحتمية النفسية , والكبت , والمقاومة ) ومن ثم اللاشعور وقيمة الحياة الجنسية . وهى العناصر الرئيسية التى يقوم عليها التحليل النفسى كنظرية فى اللاشعور وفنيات فى العلاج.
وقد أشار فرويد فى محاضراته الخمسة الى النكتة والاحلام والهفوات والمركبات المرضية وتطور الليبيدو والتخيلات والابداع الفنى . وكان اهتمامه الأساسى هو الكشف عن معنى الواقع بالنسبة للوجود الانسانى وابراز دلاله هذا الواقع ضمن نظرية عامة . لم تكن القضية فيها قضية يقدمها هذا العلم الجديد بل اعادة لبناء هذه المفاهيم فى نظرية متكاملة لفهم موضوعها الذى هو "الانسان" .
ويقوم بناء الشخصية فى اطار نظرية "فرويد" على ثلاث نظم أساسية هى "الهو- الأنا - الأنا الأعلى"وبالرغم من أن كل جزء منها له وظائفه وخصائصه ومكوناته ومبادئه التى يعمل وفقها ودينامياته وميكانزماته , فانها جميعا تتفاعل معا تفاعلا وثيقا , ويكون السلوك الانسانى -فى الغالب- محصلة لتفاعل هذه النظم الثلاثة , ونادرا مايعمل احد هذه النظم بمفرده دون النظامين الاخرين .
ويعتبر "الهو" النظام الأصلى للشخصية وهو الكيان الذى يتمايز منه " الأنا و الأنا الأعلى " ويطلق علية "فرويد" اسم (الواقع النفسى الحقيقى) لأنه يمثل الخبرة الذاتية للعالم الداخلى ولا تتوفر له اية معرفة بالواقع الوضوعى .وعندما لا يتحمل "الهو" تزايد الطاقة التى يعانيها بوصفها حالات من التوتر غير المريح يعمل على اعادة الكائن الحى الى مستوى مريح من الطاقة . ويسمى مبدأ "خفض التوتر" الذى يعمل الهو من خلاله بمبدأ "اللذة" ولكى يحقق الهو هدفه من تجنب الألم وتحقيق اللذة فان عمليتين تعملان تحت أمرته وهما (الفعل المنعكس , العمليات الأولية ) .ويعتبر الفعل المنعكس الذى يولد الفرد مزودا به , عملية تؤدى الى خفض التوتر مباشرة فى الأشكال البسيطة من الاستثارة . أما العملية الأولية فتتضمن شكلا اكثر تعقيدا حيث تقوم بمحاولة تفريغ التوتر بتكوين صورة لموضوع من شأنه ان يزيل التوتر. وعندما تكون العملية الاولية غير قادرة على خفض التوتر يبدأ البناء التانى للشخصية فى التكوين وهو "الأنا" ويظهر الفرق بين الهو والأنا فى أن "الهو" لا يعرف الا الواقع الذاتى للعقل على حين يفرق "الأنا" بين الأشياء التى توجد فى العقل والأشياء التى توجد فى العالم الخارجى .
و يستطيع الأنا "مبدأ الواقع" ان يعمل وفق العمليات الثانوية ويكون الهدف الأساسى لهذا المبدأ هو الحيولة دون تفريغ التوتر حتى يتم اكتشاف الموضوع المناسب لاشباع الحاجة ويرجئ بالتالى مبدأ اللذة مؤقتا حتى يتم خفض التوتر.
ويأتى النظام الثالث وهو" الأنا الأعلى" بوصفه الممثل الداخلى للقيم التقليدية للمجتمع ليعمل بوصفة الدرع الأخلاقى للشخصية وهو يمثل ما هو مثالى وليس ما هو واقعى .وينزع من الكمال بدلا من اللذة .
وأشار "فرويد" فى وصفه لديناميات الشخصية الى الغريزة بوصفها قدر أو كمية من الطاقة النفسية وتكون الغرائز مجتمعة هى المجموع الكلى للطاقة النفسية المتاحة للشخصية , وتتميز بأربع خصائص مميزة هى مصدرها وهدفها وموضوعها وقوتها الدافعة . ويمكن اعتبار "الهو" مولدا يقدم الطاقة النفسية اللازمة للقيام بالعمليات العديدة للشخصية .ويمكن تصوير الغريزة كعملية تكرر دورة من الاحداث تبدأ بالاستثارة وتنتهى بالاستجابة وقد اطلق فرويد على هذا الجانب من الغريزة "اجبار التكرار" فالشخصية مجبرة على ان تكرر مرة تلو الأخرى الدورة الحتمية من التهيج الى الخمود.
وقد افترض فرويد أن الغرائز يمكن ادراجها فى فئتين عامتين هما : (غرائز الحياة) وتخدم غرض الحفاظ على حياة الفرد وتكاثر الجنس ويطلق علية صورة الطاقة التى تستخدمها غرائز الحياة فى اداء عملها اسم (الليبيدو) . والثانية (غرائز الموت ) وقد افترض "فرويد" أن لدى الشخص رغبة لاشعورية فى أن يموت . ولم يطلق "فرويد" اسما على الطاقة التى تستخدمها غرائز الموت فى القيام بعملها . ويقوم افتراض "فرويد" الخاص بغرائز الموت على مبدأ (الثبات) فالحياة هى طريق دائرى لبلوغ الموت .
وقد أشار "فرويد" الى المبدأ الاساسى الذى تقوم عليه نظريته وهو مبدأ (( الحتمية النفسية )) وهو أن كل حادثة نفسية تعود الى علة ترجع اليها فليس هناك من محتويات العقل ما يمكن ان ينسب الى الصدفة العارضة بل ان لكل منها سببا يرجع اليه . وقد استعان "فرويد" للتدليل على صدق انطباقة على الوقائع النفسية المختلفة سواء فى تفسير الاحلام أو كيفية تكوين الأعراض النفسية المرضية عند المرضى الذين عالجهم واستثاروه للعلاج .
وأشار "فرويد" الى معنى (الاعراض النفسية) وقرر ان لكل عرض معنى وانه يرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة النفسية للمريض . وأشار الى ان الحواز والهيستيريا هما العصابان اللذان نهض على دراستهما التحليل النفسى فى اول أمره .
ويقصد "فرويد" بالاعراض النفسية انها اوجهنشاط ضاره ومؤذيه تؤدى الى ان يخسر المريض مجهوده النفسى فى القيام بها وكذلك مقاومتها . ويرى ان الاعراض العصابية تنجم عن صراع يقوم حين تلتمس الليبيدو وجها جديدا من وجوه الاشباع فتلتقى القوتان المتعارضتان وتتراضيان بفضل الحل الوردى الذى يتضمنه المرض . وقد أشار الى عملية تكوين الاعراض مشيرا الى مصطلح (التثبيت) ويعنى توقف أو تعطل الليبيدو عند مرحلة معينة من مراحل الطفولة .وقد تطور هذا المفهوم وأصبح التثبيت انما هو توقف عند حال بعينه سيصبح خطوه على طريق الكبت لبعض المحتويات التى يخبرها الفرد ويقوم بكبتها فتصبح فعاله فى اللاشعور وبخاصة فى المراحل الاولى من اطوار نمو الفرد لذا فهو لا يستطيع فكاكا منها وكأنه والحال هذه مقرب عن الحاضر والماضى , اسير لطور بعينه من مراحل نموه . وقد كان التثبيت واحد من المعالم الاساسية التى حدت بفرويد الى ان يسلم بوجود عمليات نفسية لا شعورية ذلك ان الامراض النفسية بزملة اعراضها تشير دوما الى عامل داخلى مهئ هو التثبيت الذى يتصل بمرحلة من مراحل النمو ويتصل الامر كله فى نهاية الامر بدينامية البناء النفسى للفرد بقدر ما يتصل باقتصاديات ذلك البناء ووظيفته والعامل التكوينى الذى يجمع بين الخبرات الطفلية والعوامل الحبلية الوراثية .
ويربط "فرويد" بين (التثبيت ) & (النكوص ) اذ ان الخبرات الطفلية التى بقيت وتثبتت فى المراحل المختلفة الباكرة من النمو لها اهمية فى ذاتها من خلال النكوص الذى يزيد من خطورة الدور الذى تقوم به التثبيتات فى احداث المرض وكأن التثبيت والنكوص كلاهما على علاقة بالاخر مما يشير الى ان الطفولة واحداثها لا يتناولها التحليل النفسى بذاتها وانما بدلالاتها التى تحكم حياة الراشدين وهو ما يحتم دراسة الشخصية أو اقامة تشخيص دينامى تنبؤى من مجمل الوحدة الكلية للشخصية ودلالة الأعراض باعتبارها معنى . كما اشار فرويد الى معنى (الصراع) نظرا لتأثيره على البناء النفسى للشخصية ويسبب ما قد يسببه احيانا من انحرافات سلوكية أو اعراض نفسية مرضية . ويشير ذلك التعارض اللاشعورى بين رغبة غريزية تنشد التفريغ وميل يعارض ذلك ويناهضه , وتدور رحى هذا الصراع بين رغبات (الهو) الغريزية اللاشعورية ووظائف (الأنا) الدفاعية اللاشعورية أو بين قوى ( الأنا) ممثلة لقوى (الأنا الأعلى ) وقوى (الهو ) الغريزية أو بين الأنا والهو من ناحية وبينه وبين الانا الاعلى من ناحية اخرى كما فى عصاب الحواز . ولعل أوضح نماذج الصراع العصابى هو الصراع ((الأوديبى)) . كذلك أشار "فرويد" الى ما يسمى بالتسوية أو( الحل الوردى ) والذى ينتهى اليه الصراع بين نزاعات أو دفاعات أو ميول متعارضة لا شعورية يظهر فيه أثر النزعات الداخلة فى الصراع بحيث يكون الحل الوردى (الودى) تسوية لهذا الصراع . و ان الهفوة والحلم والعرض هى حل وسط او تسوية .
د.حسام الجارحى[center]
الأربعاء نوفمبر 11, 2009 11:53 am
