إن الحلول الناجعة للأزمات الاجتماعية تتطلب تفحص فروض الأزمة، مسبباتها
والحلول، وتلك تحتاج إلى اعتماد ثلاثة مناهج علمية (علم النفس، علم
الاجتماع، علم الحياة) وتشتغل تلك المناهج تحت يافطة علم التربية. فالمجتمع
الذي يعاني من النظرة الدونية للمرأة يحتاج لدراسة تنهل من تلك العلوم
مناهجها لتحديد المسببات للوصول إلى الحلول الجدية لتفكيك مسببات الأزمة.
ويتعين كذلك النظر في المورث التاريخي والديني ومدى تأثيرهما في
اللاوعي الاجتماعي، كما يتوجب الإقرار مسبقاً بالفروق البيولوجية
والفسيولوجية بين الرجل والمرأة لأجل تحديد وظائف ومهام كل منهما في الحياة
وعدم الخلط بين مبدأ المساواة والمهام والوظائف التي فرضتها قوانين
الطبيعة.
وبالرغم من أن تلك العلوم تستند لمناهج علمية في الدراسة والتمحيص،
لايمكن اعتمادها كمسطرة لقياس أبعاد الظاهرة على المستوى العالمي نظراً
لاختلاف عوامل الحراك الاجتماعي والإرث التاريخي والديني ونسبة الأمية
والجهل........ومن الأجدى عند دراسة الظاهرة الاستناد إلى الخطوط العامة
لمناهج العلوم والبحث في التفاصيل الخصوصية لكل مجتمع من أجل الوصول إلى
حلول ونتائج أقرب إلى الدقة والعلمية.
يناقش علم النفس اختلافات السلوكيات والتصرفات العامة في المجتمع
(الرجل والمرأة) بغرض تحديد الانعكاسات السلبية على العلاقة اليومية بين
الرجل والمرأة وبالتأكيد لاتقتصر تلك الانعكاسات الجنسين وأنما بين الرجال
أنفسهم والنساء ذاتهم، فكل كائن إنساني له عالمه الخاص ينهل منه سلوكه
وتصرفاته. وغالباً ما تتعارض عوالم الكائنات الإنسانية في سلوكها
وتصرفاتها، فتنجم عنها صراعات فردية أو اجتماعية نتيجة اختلاف البيئة
والتربية والأسرة......وتنحسر عوالم الكائنات الإنسانية في الدول المتقدمة
في عالم الدولة التي تكون مسؤولة عن التربية الاجتماعية أكثر من مسؤولية
الأسرة ذاتها.
فتتقلص (إلى حد ما) السلوكيات والتصرفات غير السوية لصالح السلوكيات
والتصرفات (السوية!) ويتم ذلك تحت إشراف علماء نفس واجتماع لإعادة تربية
المجتمع في بيت الدولة وليس الأسرة.
يرى ((هيمانس))"أن نفسية المرأة تختلف عن نفسية الرجل في الانفعالية
والفاعلية، ومن هنا نجد لدى المرأة توارد عدد من سمات الطبع: كتقلب
المزاج، القلق والوجل، استمرار الحزن وتقلص فترة الغضب، الحاجة إلى التغيير
والنزوع إلى الضحك، انعدام المنطق والنفور من التجريد، سيطرة الفكر الحدسي
والاندفاع، التعصب الأعمى والمهارة، والغرور وروح السيطرة، الميل إلى
الغلو وفرط الفظاظة، الاقتصاد والصبر في المرض، والمهارة والقابلية لاكتساب
اللغات. وبالمقابل نجد لدى الرجل: قابلية أكبر للتفكير المنطقي
والمجرد، الابتكار والخلق الفكري، ومبادرة ومثابرة أكثر في العمل وحظاً
أوفر من القصد والاتزان".
لايقتصر تأثير تربية الأسرة على الفرد حسب، بل تأثير المجتمع وما
يعكسه من توجهات وما يفرضه من علاقات وسلوكيات وتصرفات. ومن يخرج عنها يخرج
على حدود المجتمع، فيتعرض للنبذ والاحتقار!.
المرأة في الدول المتخلفة تحديداً تعاني من النظرة الدونية، فهي
معرضة لتسلط الأسرة والمجتمع أكثر من الرجل. ويلازمها الشعور بالنقيصة
اجتماعياً أمام الرجل، فمساحة الحرية في المجتمع تتقلص إلى الحدود الدنيا
حين تقترب من عالم المرأة.
وتلك المساحة المحددة من الحرية تفرض عليها حالة نفسية خاصة، تشعر
من خلالها أنها كائن بشري مماثل للرجل لكنه مخصي تنقصه الذكورية فهي لاتنال
حظاً من الحرية في المجتمع مما يناله كائن غير مبتور من ذكوريته منحته
الطبيعة مساحة من الحرية منذ الولادة أكثر مما منحته للمرأة!.
هذا الشعور الذي يلازم المرأة في الدول المتخلفة، يفرض عليها في
اللاوعي سلوكاً ونمطاً محدداً في التعامل مع طفلها الذكر. فهي تلجأ بدون
وعي لإسقاط ذاتها المبتورة من الذكورية على طفلها وتعمل على إخصائه ليكون
نسخة طبق الأصل لها، لأنها تشعر في اللاوعي هو جزءً منها لكنه يخالفها في
الجنس فتسعى لإخصائه في طريقة تربيتها لإرضاء ذاتها وفقاً لتصورات علماء
النفس!.
يعتقد ((ماندل))"أنه كلما كانت المكانة الاجتماعية-العاطفية للمرأة
ضمن ثقافة ما، هي مكانة خصاء بمعنى أنها مجرد رجل مخصي (كائن مبتور) كلما
زاد ميلها في اللاوعي إلى إخصاء طفلها الذكر أي القضاء على رجولته الجنسية
وقدرته على المتعة".
هناك دراسات عديدة في الدول المتقدمة تنهل من ذات الفكرة، وتجد أن
الطفل الذي يتولى رعايته أحد الأبوين (الأم تحديداً!) دون الآخر يعاني من
الانطواء والعزلة ويميل أكثر في صلاته مع الجنس المخالف له نتيجة حالة عدم
الاتزان والسوية التي تنخر ذاته وشعوره في اللاوعي بافتقاد جزء أساسي من
بنائه الذاتي الذي يستند لنظام البناء الأسري المتوازن!.
كما دللت الإحصائيات في عالم الجريمة والعنف والاغتصاب (في السويد
على سبيل المثال) إلى أن معظم جرائم القتل وجنح العنف والاغتصاب يقوم بها
أشخاص عاشوا طفولتهم في كنف أحد الأبويين نتيجة حالات الطلاق.
ويدلل ذلك على أن علم التربية هو الأساس في بناء مجتمع سوي فعملية
إخصاء نصف المجتمع له انعكاساته السلبية على جيل كامل من (الذكور والإناث)
وتتناسل تلك الانعكاسات السلبية لتؤثر على مستقبل الأجيال فعلم التربية
الذي يشمل (علم النفس، علم الاجتماع، علم الحياة) يجب أن يعتمد بجميع
مناهجه لبناء مجتمع سوي يستند إلى العدالة والمساواة."الحوار المتمدن"